العدالة الاجتماعية طريقٌ للتنمية
د. أحلام القباطي
ذكرت تقارير مختلفة للأمم المتحدة أن سكان العالم يفتقدون إلى (80%) للخدمات الاجتماعية الأساسية، مما زاد من وتيرة عدم التكافؤ، ومن هنا نُودي بأهمية الاهتمام بالعدالة الاجتماعية والسعي إلى تحقيق تكافؤ فرص العمل وضمان حماية الضعفاء والطبقات الفقيرة والمهمشة.
يمكن تعريف العدالة الاجتماعية بشكل مبسط بأنها جزء من تعاون مشترك بين عدة جهات بغرض فهم احتياجات الأفراد والمجتمعات، وإنشاء برامج تنموية قادرة على تقديم المساعدة لهم ليتمكنوا من مواجهة الصعوبات التي تواجههم، والعمل على تجنيبهم خطورة تلك الصعوبات بتوفير مستوى معيشة ملائم، بدءاً من توفير فرص العمل المناسبة لكل الفئات، لا سيما الضعيفة والفقيرة، ومروراً بحماية حقوق المواطنة للجميع دون أي تمييز أو تفرقة تحت أي مسمى طائفي أو طبقي.
عُرفت اليمن عبر التاريخ بـ"اليمن السعيد" و"أرض الرخاء والسعادة"، أما الآن فقد أصبحت أفقر البلدان. وفي هذا الصدد، وقبل اندلاع الصراعات الأخيرة في اليمن، صدر تقرير عن البنك الدولي عام 2006م، حول الأوضاع في اليمن، أوضح فيه أن معدلات الفقر في اليمن ما تزال أكثرعمقاً وأشد حدة عن أي بلد آخر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
من هنا تنبثق أهمية دراسة الظواهر الاجتماعية في اليمن، التي تتصل بالمشكلات العامة لأفراد المجتمع خاصة الضعفاء والفقراء، والعمل على تحديد احتياجاتهم لا سيما ما له علاقة بالمشكلات المعيشية ومتطلبات تجاوزها، والاستعانة بالنتائج الدراسات التي تكون قد أجريت على مستوى مختلف فئات المجتمع.
ويمكن الاستفادة من نتائج حصر المنظمات والهيئات والموارد والإمكانيات الموجودة في كل من البيئة والمجتمع، وتحديد مدى الاستفادة منها لصالح الضعفاء والفقراء والمهمشين بشكل فعلي، وحصر المجالات التي يمكن أن تستفيد فيها كل فئة من البيئة والمجتمع وتحديدها في حدود مواردها وإمكانياتها، واكتشاف الهيئات المسند إليهم مسؤوليات تنفيذ البرنامج الرامية لتوفير فرص العمل المناسبة وتيسير سبل العيش وتدريبها.
إن الدور الرئيس والأساسي في تنفيذ برامج تنموية لمختلف المجتمعات المتعثرة اجتماعياً واقتصادياً هو العمل على مساعدة الأفراد في تحديد متطلباتهم ومشاكلهم، والتغلب عليها، وتنمية قدرات الأفراد ومواهبهم وصقلها، وإشباع احتياجات كل الفئات بشكل عادل لتجنب تكرار المشكلات وتفشيها في المجتمع، وتمكين الأفراد من القيام بدورهم الاجتماعي بطريقة طبيعية وسليمة.
من العوامل التي تعيق تحقيق العدالة الاجتماعية لأهدافها ما يتصل بالأفراد، أو نظام الحكم، أو الإمكانيات المجتمعية المتاحة، أو تفشي الفساد الذي نجد صورة منه في مظاهر الاستحواذ على الموارد النفطية والغازية والمواقع الطبيعية ذات الأهمية الاقتصادية والسياحية، وبالأخص المناطق التي تتميز بثرائها الطبيعي وتنوعها الحيوي والمعيشي، وهنا يتم حرمان الشعب من الانتفاع أو استثمار ما تمتلكه تلك المعالم البيئية من مقومات معيشية وسياحية وحياتية مهمة يسيطر عليها مجموعة من الأفراد الذين يدعمون بعضهم مكوِّنين منظمة فساد متكاملة، وبذا يظهر التفاوت الطبقي والغناء الفاحش والفقر المدقع، وهذا ما يحصل في اليمن .
وعموماَ، يمكن تلخيص مفهوم العدالة الاجتماعية بأنها تحقيق منظومة من الحقوق بالتساوي لكل الأفراد، والتركيز على الضعفاء والفقراء من خلال سلسلة من القيم والأهداف، والنظر للأفراد من منطلق إنساني، والعمل على توفير حقوقهم التي تشمل التركيز على قيمتين رئيستين هما:
-
الاعتراف بكرامة الأفراد وإنسانيتهم.
-
حتمية توفير حقوق الأفراد وفرص الحياة الكريمة بشكل عادل ومتساوٍ للجميع.
من منطلق أن الإنسان كلُّ متكامل تتفاعل عناصر شخصيته الأربع - النفسية والعقلية والجسمية والاجتماعية – دائماً، ما دام يعيش في بيئة إنسانية واجتماعية، ومن ثَم َّ فأي اضطراب في إحدى هذه العناصر إنما هو نتيجة لتفاعل الشخص مع عناصره الأخرى بشكل خاطئ مما يحدث هذا الاضطراب. على أن يتم الاعتناء بأفراد المجتمع ليس من الناحية المجردة، كالاهتمام بالجانب المعيشي والاقتصادي فقط، وإنما بوصفه إنساناً له احتياجاته النفسية والاجتماعية التي لا بد من إشباعها بشكل سليم ليستفيد ويفيد بيئته ومجتمعه.
إن اختلال موازين العدالة الاجتماعية من أشد التحديات التي ينتج عنها اختلال موازين السلوك البشري، والفرد الذي يعيش في بيئة تنعدم فيها المساوة يصبح شعوره بالتهميش وعدم الرضا والإقصاء تحديات صارخة لاختلال منظومة القيم، ما يؤدي إلى ضعف في إمكانية تحقيق أهداف التنمية، وتنبثق من ذلك مجموعة من السلوكيات السلبية، مثل الفساد والمحسوبية مما يزعزع قيم العدالة الاجتماعية، ويقوض الاستقرار الاجتماعي، ويعرقل التنمية البشرية على المدى الطويل.
وختاما، يمكن الحد من هذه الاختلالات، إلى جانب توفير فرص العمل المناسبة للأفراد ليتحسن مستوى معيشتهم، والتركيز على برامج التنمية التي تأخذ في اعتبارها تنمية مهارات الأفراد وقدراتهم ويمكن أن تساعد في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب ذلك كله لا بد من الآتي:
-
تنمية مهارات تقبل الاختلاف، والتعامل مع الاختلاف ليصبح عاملَ بناءٍ وتطوير.
-
تنمية الاتجاهات التعاونية بين الأفراد، وتقبل الآخر بدلاً من الصراع.
-
الحد من العادات السلبية، سواء السلوكية أو الاستهلاكية، وغرس الوعي الاقتصادي والإنتاجي لدى الأفراد وفقاً لقدراتهم.
-
تنمية الوعي بأهمية العمل للفرد والأسرة والمجتمع.
-
تنمية الانتماء للمجتمع والوطن، و احترام حقوق الآخرين، والملكية العامة.
-
تنمية معايير المسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع والوطن.
-
وضع خطط دورية لتقويم البرامج التنموية المختلفة بعد تنفيذها؛ فعملية التقويم تجعل المسؤولين يقررون عما إذا كان هذه البرامج قد حققت أهدافها أم لا، و تساعد الجهات المختلفة على تحديد الفجوات ومن ثم معالجتها.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة