الأمراض المزمنة والاقتصاد الوطني
د. جميلة يعقوب
تمثــل الأمراض المزمنة في اليمن تحدياً رئيساً في عالم اليوم، وعــبئاً اقتصادياً كبيراً يتفاقم مع تزايــد الأمــراض المزمنة غــير المعديــة الــتي أصبحت تــسبب مـــشاكلَ صـــحيةٍ رئيـــسةٍ عامـــةٍ، نظـــراً لعـــدد الإصابات المتزايدة بين أفراد المجتمع وتنوع الأمراض المزمنة في تصنيفاتها؛ حيث تشمل أمـراض القلـب والأوعية الدموية، وأمراض السكري، والأورام السرطانية، والأمراض التنفسية المزمنة، والأمراض العقلية والنفسية، وأمراض الدم الوراثية، وغيرها. وتظهر الإحصائيات ارتفاعاً وتزايداً مستمراً في ذلك.
إن التحــدي الأكبر الــذي أصبحنا نواجــهه اليــوم هو قلة محدودية المـوارد المتاحـة التي تساهم في تحسين الرعاية الصحية المناسبة وتأمينها للمرضى المصابين، ومكافحة الأمراض المزمنة غير المعدية وعلاجها من خلال التوسع في الخدمات الصحية، وتزويد المؤسسات الصحية بالكوادر الطبية المؤهلة والأجهزة الطبية، وتحسين فرص الحصول على الرعاية الطبية لجميع شرائح المجتمع، وتطبيق نظام التأمين الصحي، ورفع مستوى الوعي عند أفراد المجتمع بأهمية اتباع أنمـاط حيـاة أكثـر صـحية وبساطة؛ ولبلوغ تلك الغاية يجب أن يبذل المعنيون المزيد من الجهود الوطنية التي تعمل على تنفيذ سياسات متكاملـة من خلال قطاعات متعددة تعمل على الحد من الانتشار المتفاقم لتلك الأمراض التي تساهم نسبة ارتفاعها في تدني حجم الاقتصاد الوطني.
وتشكل الأمراض المزمنة غير المعدية تهديـداً متعـاظماً تفرضـه علـى اقتـصادنا الوطني الضعيف الذي هو في حاجـة ماسة إلى اتخـاذ إجـراءات حاسمـة للتخفيـف مـن تزايد عـبء المـرض وحمايـة التنميـة المـستدامة المستقبلية لليمن. وتشكل الوقايـة الأوليـة والتوعيــة الصحية أفــضل الاستراتيجيات المتناســبة المــردود مــع التكاليف والمنصفة والمستدامة لمكافحة الأمراض غير المعدية.
إن الأمـراض المزمنـة اليوم هي الـسبب المـشترك الأكبر في استمرار إقامة المرضى في المستــشفيات والمراكز الطبية بتخصصاتها المختلفة، وهي تفــرض تكــاليفَ باهظــةً علــى الــنظم الـصحية وعلـى المرضـى وعلـى أسـرهم. كل ذلك يتطلب الإصـلاحات المتعـددة القطاعـات والزيـادة في الميزانيـة لبنـاء نظـام رعايـة صـحية نـاجح وعـصري وكُـفء يساهم في تخفيف عبء المرض؛ فالحاجة إلى حـشد الطاقـات والمــوارد والفــرص أصبحت ضرورية لعكــس المــسارات الحاليــة للأمــراض المزمنة الــتي لا تقــل في قدرتها التدميريــة للمجتمع عــن الأمراض المعدية الأخرى مثل فيروس كورونا وفيروس نقص المناعة البـشرية (الإيـدز) والملاريـا والسل والتهاب الكبد الوبائي وغيرها من الامراض الأخرى؛ ولـذلك يجب أن يعمل الجميع مـن أجـل تغـيير المـسار في ضـوء التحـديات الـتي تفرضـها هـذه المـشاكل الــصحية على التنميـة البـشرية والاجتماعيـة والتنميـة الاقتـصادية ودَخْـلِ الأسـرة، فـضلا عـن تأثيراتها الـسلبية علـى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فصحة المجتمع هي أحـد أركـان الرفـاه الشخـصي والتنميـة الوطنيــة والــسلام والاســتقرار للفرد والمجتمع والوطن.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة