هجرة العقول اليمنية
د. عبد القوي حزام الشميري
ارتبطت ظاهرة الهجرة بالإنسان منذ وجوده على الأرض، ولها تأثير في المجتمع الذي يخرج منه والذي ينتهي إليه على حدٍ سواء، كما أن لهذه الظاهرة دور إيجابي هو الإسهام في عملية التنمية البشرية وجلب المنافع للدول الفقيرة والغنية؛ إذ تعمل على تدعيم النمو الاقتصادي العالمي، وتسهم في تطور الدول والمجتمعات، كما أنها تغني العديد من الثقافات والحضارات.
وموضوع هجرة العقول أو هجرة الأدمغة (Brain Drain) أو كما يُطلق عليه أكاديمياً بهجرة رأس المال البشري (Human Capital Flight) هو موضوع ذو شجون، ولا يتسع المجال هنا للحديث عنه بشمولية بوصفه موضوعاً ليس وليد اللحظة. وقد ظهر مجدداً بشكل ملحوظ، نظراً لما تشهده المنطقة العربية بشكل عام، واليمن على وجه الخصوص، من مستويات مرتفعة من الهجرة نتيجة الصراعات والحروب والفقر. ولعل التفاوت الكبير في مستويات الاستقرار والتنمية بين بلدان المنطقة عامل مهم في تشكيل ملامح الهجرة داخل المنطقة وخارجها.
من الملاحظ أن ظاهرة (هجرة العقول) أصبحت أكثر انتشاراً خلال الأعوام الأخيرة، إذ تشير الإحصائيات - حسب تقديرات صادرة عن البنك الدولي وجامعة الدول العربية - أن نسبة هجرة العقول العربية إلى خارج الوطن العربي قد تصل إلى (50%) من مجموع الكوادر العربية. ولم تكن اليمن بمنأى عن ذلك حيث شهدت هجرة شبه جماعية بسبب النزاعات والحروب المستمرة وانقطاع الرواتب، فاحتلت بذلك مرتبة متقدمة في تصدير عقولها إلى الخارج في مختلف التخصصات، ولم تقتصر هذه الهجرة على فئة أو شريحة محددة من اليمنيين وحسب، بل شملت الأطباء والأكاديميين والمعلمين والمهندسين.
وقد ذكر بعض الباحثين بعضاً من الأسباب التي قد تؤدي إلى ظاهرة هجرة العقول العربية منها ما يسمى بالأسباب الطاردة (الداخلية) ومنها ما يسمى بالأسباب المحفزة (خارجية)، وهي تسهم - مجتمعة أو منفردة - في تزايد حدة النزيف للعقل العربي. فمن الأسباب الطاردة:
-
العامل السياسي والأمني الذي يتمثل في غياب الديمقراطية والاضطرابات السياسية والأمنية.
-
العامل الاقتصادي الذي يتمثل في انخفاض مستوى المعيشة وتدني مستوى الأجور وارتفاع الأسعار.
-
العامل الاجتماعي المتمثل في عدم احترام القدرات العلمية ودورها الإيجابي في المجتمع، وفي قلة الثقة في النتاج المحلي، وفي عدم تشجيع الابتكارات والأفكار الجديدة.
أما الأسباب المحفزة (الخارجية) لهجرة العقول اليمنية فيمكن إيجازها في الآتي:
-
التقدّم الاقتصادي للدول المضيفة.
-
المستوى المعيشي المرتفع في هذه الدول.
-
توفر الوسائل اللازمة للبحث العلمي والتطوير.
-
توفر الفرص للمتخصصين، وفتح المجالات الواسعة لهم.
-
توفر الاستقرار السياسي والنفسي والأمني في تلك الدول.
-
زيادة نسبة الطلب على العمالة المتخصصة في سوق العمل الخارجي.
ومما لا شك فيه أن هجرة العقول اليمنية قد ترتب عليها الكثير من الآثار السلبية وانعكاساتها التي تظهر واضحة في توقف عجلة التنمية في اليمن، وفي استنزاف شريحة مؤثرة وفاعلة في المجتمع بما يشكل خسارة في مجال التعليم بجميع مراحله متمثلاً في إهدار الأموال الطائلة التي تم إنفاقها على تعليم الكوادر والكفاءات العلمية وتدريبها، الأمر الذي يفضي إلى توسيع الهوة بين الدول الغنية والفقيرة، بما تمنحه هذه العقول للدول المستضيفة من فوائد كبيرة ذات مردود اقتصادي مباشر، وفي المقابل تشكل خسارة للبلدان التي هاجرت منها.
إن الاستنزاف الممنهج أو غير الممنهج للعقل اليمني هو - ولا شك - نتيجة لبيئة سياسية ومادية طاردة، وإهمال لتلك العقول المبدعة في أوطانها، وتجاهلها وعدم إدراك أهميتها، الأمر الذي جعل هذه العقول تهاجر إلى البيئة الحاضنة لها في الدول التي أدركت أن الأوطان لا تبنى بالعقول الفارغة.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة