المشكلات المؤسسية
د. طه فارع غالب
تمثل المؤسسات أهمية كبرى في عملية التنمية، فدائرة المعارف البريطانية والموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية تجعل وجود هذه المؤسسات واحدة من المعايير الأساسية للحضارة وتضعها على قدم المساواة مع معاير أخرى كالتكنولوجيا والاتصال أو المواصلات وغيرها.
ويؤكد عالم السياسة الأمريكي "مايرون وينر" أن أي نظام سياسي حديث -سواء كان ديمقراطياً أو شمولياً- يتميز بالضرورة بوجود العديد من المؤسسات والإجراءات لحل الصراعات التي تلازم المجتمعات الحديثة وتسويتها، ويرجع وينر نجاح مجتمع ما مقارنة بمجتمع آخر إلى مقدرة أفراد المجتمع الناجح على بناء مؤسسات معقدة وتكييفها واستمرارها لإنجاز أهداف عامة.
إن المجتمعات التي توفرت لها هذه القدرات حققت نجاحاً وتقدماً حقيقيين بكفاءة عالية –كألمانيا واليابان والولايات المتحدة وإنجلترا–؛ فمن خلال المهارات التنظيمية والمواهب والقدرات اللازمة لبناء مؤسسات فعالة ومعقدة يستطيع المجتمع أن يحقق باطراد ابتكاراً تكنولوجياً وتطوراُ اقتصادياً واجتماعياً، والتنظيم شرط أساسيٌ للتقدم؛ ذلك أنه يمثل القناة التي تتجمع فيها آراء الأفراد وتفضيلاتهم وجهودهم لتحقيق الغايات المشتركة، بعكس المجتمعات التي تفتقر إلى تلك القدرة على بناء المؤسسات التي تعاني انهياراً تنظيمياً.
فالمؤسسات هي أنماط لأفعال متواترة يتم إرساؤها لتحديد سلوك أعضاء تلك المؤسسة داخل المؤسسة أو في علاقاتها بالوحدات الأخرى في النظام السياسي والاجتماعي، ولإبراز القوة في النظام في شكل حركة أو في شكل روح الجماعة المتدفقة. ومن أمثلة المؤسسات الرئيسة في الدولة البيروقراطية المدنية والعسكرية مؤسسات التشريع، والتعليم، والاتصال الجماهيري، والأحزاب، وجماعات المصالح، والهيئات، والنوادي، والجمعيات كالجمعيات الدينية والتجارية والمصرفية وغيرها.
وتشير عملية بناء المؤسسات إلى تعدد الدروس والخبرات التي قد يتوفر فيها جانبان رئيسان، أولهما يرتبط بالابتكار والمنافسة دون التخلي عن أهمية السياق التاريخي والتطور الذي مر به المجتمع، وثانيهما ضرورة الإفادة مما هو موجود، والبناء عليه، أو بالتكامل معه، حتى لا يفقد المجتمع أو يهدر إمكانيات قائمة من الممكن تطويرها والإفادة من التجربة التي ارتبطت بها.
المشكلات المؤسسية:
هناك العديد من المشكلات التي تواجه بناء المؤسسات لا سيما في الدول النامية، لعل من أهمها ما يلي:
-
ضعف الحكومة وعدم قدرتها على أن تتصرف بفاعلية، وعدم قدرتها على ممارسة المتطلبات التكنولوجية العسكرية والاقتصادية التي يفرضها المجتمع المعاصر وإدارتها، بما في ذلك التخطيط الشامل.
-
عدم الإصلاح المؤسسي، فالإصلاح المؤسسي يلعب دوراً هاماً في بناء المؤسسات.
-
تعارض المؤسسات مع العادات والأعراف السائدة مما يقيدها وهو ما يتطلب من الدولة العمل على حل الازدواجية.
-
عدم وجود قواعد عامة (General Rules) تعبر عن المصالح والمعتقدات والقيم المشتركة والثابتة في المجتمع بوجه خاص.
-
تشهد بعض النظم النامية -في أغلبها- فصلاً وتقسيماً جامداً بين تلك المؤسسات بشكل يمنع من انتقال الأشخاص من مؤسسة إلى أخرى.
-
صعوبة الوصول إلى المعلومات، حيث تتطلب عملية بناء المؤسسات انفتاحاً على العالم وحرية أكبر لتداول المعلومات. وتؤكد الدراسات أن التدفق الحر للمعلومات من شأنه أن يجعل رصيد سلوك الأفراد أكثر سهولة، ومن ثم إمكانية تغييره، وتحسين نوعية المؤسسة حتى إذا لم يتغير البناء المؤسسي ذاته، كما يوفر إمكانية فعلية لتغيير أنماط سلوكية وعادات معينة، أو لتغيير حوافز الأفراد للمشاركة في العديد من المؤسسات ومواجهة الفساد وتقليل احتمالاته.
-
عدم وجود ضوابط انتقائية خاصة لتحقيق الشفافية وحسن التنظيم والإدارة؛ فماليزيا –مثلاً- لم تنجح إلا عندما عملت على تجديد مؤسسي شامل لسوق رأس المال بدلاً من التنظيم القديم المنقول عن التجربة الإنجليزية حيث التنظيم الذاتي للسوق، وذلك بعد الأزمة المالية التي ألمت بها عام 1997.
-
أن المؤسسات مطالبة بأن تلعب دوراً كبيراً على الساحة الاجتماعية حتى تقترب أكثر من أفراد المجتمع وتقوي علاقتها بهم وتكسر العزلة، وهذا النشاطات سوف تقربهم حتماً إلى المجتمع بشكل عام أكثر.
-
وبشكل عام، يمكن القول إن الدول النامية لا تملك مؤسسات على المستوى الذي يلزم وجوده من أجل تحويل المطالب إلى سياسات أو قرارات أو حركة، والملاحظ هنا:
أولاً: ليس لدى هذه الدول المعايير التي يمكن لانتشارها أن يحث النظام السياسي بدرجة كافية وتدفعه ككل إلى عملية بناء المؤسسات. ثم إن غياب هذه المعايير يُعد المسألة الأهم؛ لأنه قد يسبب انهيار هذه النظم السياسية النامية، ليس بسبب الفساد أو بسبب تخلخل تلك النظم وضعف بنائها المؤسسي فحسب، وإنما بسبب تباين نمط انتشار السلطة، وبسبب القيود المفروضة على المؤسسات الأقوى مما يعوقها عن النهوض بالمؤسسات الضعيفة الواهنة.
ثانياً: أن انتشار السلطة إلى محيط النظام الاجتماعي من شأنه أن يغير من كمية المطالب ونوعيتها، مما يفرض قيوداً متزايدة على قدرة المؤسسات على تحويل تلك المطالب إلى حركة حكومية فعالة، وقد يترتب على ذلك نشوء الأزمات.
ثالثا: أن التوقيت والتتابع في عملية بناء المؤسسات وانتشار السلطة المتزايد يمثل أهمية محورية، الأمر الذي يفترض التتابع في عملية التنمية، وهو ما يتطلب ضرورة الحاجة إلى معدل سريع لعملية إضفاء الطابع المؤسسي على الحكومة وتنظيماتها بصورة تسبق تكوين الأحزاب ونظم الانتخابات، وتزداد أهمية هذه المطالب والشروط عندما تتصاعد المطالب نتيجة الانتشار غير المنضبط للقيم والمعايير الوافدة، أو عن طريق الاحتكاك المتزايد بالبيئة الدولية وتزايد ضغوطها بغض النظر عن قدرة المؤسسات على تلبية المطالب ومواجهتها.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة