مشاكل الأسر مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة
أ.د. فتحية محمد باحشوان
يقاس رقي الأمم وتحضّر الشعوب بمدى اهتمامها بإنسانية الإنسان فيها بشتى صوره التي خلقه الله عليها سليماً (مكتمل البنية) أو غير سليم (معاق). يطلق مصطلح الإعاقة على كل من يعاني من مشكلة أو قصور جسدي أو ذهني دائم لا يمكنه معه تلبية احتياجاته الشخصية في ظروف عادية، مثل فقدان أحد أعضاء الجسم، أو الشلل، أو اكتفاف البصر وغيرها.
ويخلط بعض الناس بين مصطلح "الإعاقة" وبين مصطلح "الاحتياجات الخاصة"؛ فالطفل ذو الاحتياجات الخاصة لا يكون بالضرورة ذا إعاقة جسدية أو ذهنية، بقدر ما هو طفل يحتاج إلى رعاية خاصة ليجاري أقرانه.
عادةً ما يطلق مصطلح "ذوو الاحتياجات الخاصة" على من يحتاجون إلى أساليب أو طرق أو تقنيات مخصصة للتعامل معهم لتحسين قدراتهم الذهنية أو الجسدية المتأخرة نسبيًّا عن مستوى الآخرين. ويندرج تحت هذا المصطلح من يعانون من صعوبات التعلم، ومشاكل التخاطب، ومشاكل السلوك والتوحد. وهو مصطلح أعم وأشمل يندرج تحته ذوي الإعاقة أيضاً.
يعد ولادة طفلٍ معاقٍ في الأسرة أمراً غير سهل؛ فوضعه يختلف عن غيره من الأطفال لما يحتاجه من اهتمام وعناية خاصتين، وردود الفعل تأخذ أشكالاً متنوعة مثل الشعور بالصدمة عند اتضاح الإعاقة، والحزن على الطفل، وعدم الاعتراف بالإعاقة على مستوى اللاشعور مما يؤدي إلى التنقل بالطفل من أخصائي إلى آخر، والشعور بالخوف على مستقبل الطفل ووضعه في المجتمع، والشعور باليأس في ضوء فشل كل المحاولات لمعالجته، والغضب، وربما الشعور بالذنب.
ولا شك في أن الحياة اليومية مع طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة تكون مليئة بصعوبات وعوائق متعددة، مما يفرض واقعاً أسرياً جديداً لمساعدته على تخطي هذا الواقع؛ فوجود طفل ذي احتياجات خاصة في الأسرة له أثر على طبيعة العلاقات الاجتماعية، بين أفراد الأسرة مع بعضهم بعضاً وبين أفراد الأسرة والأشخاص الآخرين خارج نطاق الأسرة.
ومن أهم هذه المشاكل قضاء أغلب وقت الأهل في الاهتمام بالطفل، وبالذات في حالات الإعاقة الشديدة، إذ يتطلب ذلك بذل جهد كبير على أفراد الأسرة -لا سيما الأم-، وهو ما ينعكس عليها في عدم الاهتمام ببقية الأبناء. وكذلك مشكلة العزل الاجتماعي ومحدودية الحراك الاجتماعي؛ حيث إن خوف الأسرة ناتج عن وجود طفل ذي احتياجات خاصة. كل هذا قد يسهم في انعزال العلاقة الخارجية وانقطاعها، وقد يؤثر وجود هذا الطفل على العلاقات الزوجية؛ بسبب الضغط الهائل على الأم بالذات، والأسرة بشكل عام، لا سيما إذا لم تكن هذه العلاقة قوية قبل ولادة الطفل.
ولكل أمِّ طفلٍ معاقٍ معاناتها الخاصة ووضعها المرير وفقاً لحالة الإعاقة التي عند ابنها؛ إذ يقع على عاتق الأم بصفة خاصة مسؤولية كبيرة في رعاية ابنها المعاق والاعتناء بكل تفاصيل حياته الاجتماعية والنفسية ولا سيما التأهيلية؛ ولذلك يجب أن تتدخل المنظمات المهتمة بقضايا الإعاقة وآثارها من أجل تأهيل أمهات الأطفال المعاقين، ودعمهن نفسياً واجتماعياً ومادياً وإرشادهن أسرياً لأفضل الممارسات الحياتية للتعامل مع طفلها المعاق وتقبل وجوده في الأسرة والحياة بشكل عام.
وتعاني الأم -بالإضافة إلى تربية طفل ذي احتياجات خاصة- من أعباء تربية أطفالها الآخرين؛ فأخوة هذا الطفل وأخواته يمرون بمجموعة مختلفة من المشاعر التي تتراوح بين الحب والكره والمنافسة والولاء والشعور بالغيرة منه، وقد يصل بهم الأمر إلى التمرد على الأسرة بسبب محدودية الفرص الترفيهية المتاحة، والشعور بالإحراج نتيجة نظرة المجتمع السلبية، وفي الغالب تكون الأم هي محور التفاعل مع الأطفال؛ لذا فهي معرضة أكثر من غيرها للضغوط والصدمات.
أما الأب فيكون –أحياناً- عامل ضغط على الأم أكثر من كونه عاملاً مساعداً عندما يلقي باللوم عليها ويقلل من قيمة مجهودها أو يحبطها بعدم الجدوى من بذل الجهود لمساعدة الطفل. ونتيجة للأعباء الإضافية التي تقاسيها الأم فإنها قد تصبح غير قادرة على أداء أغلب المهام التي كانت تؤديها من قبل بشكل جيد، أو لا تقوم بها بالمرة.
ولا يتوقف تأثير الإعاقة على أسرة المعاق من الناحية الاجتماعية وإنما تتأثر الأسرة أيضاً من الناحية النفسية؛ فمعظم هذه الأسر تتعرض لضغوط نفسية شديدة، فتعاني الأسرة من الشعور بالاكتئاب والضيق المزمن الذين يؤثران بشكل سلبي على الاتزان العاطفي لأفرادها، وتعرض الوالدين لبعض الضغوط النفسية التي قد تؤدي إلى أمراض عضوية كالضغط والسكري وأمراض الأعصاب. وقد تشعر الأسرة بالخجل من المجتمع المحلي بسبب التصور السلبي وردود الفعل السلبية، مما يزيد من الشعور بالذنب والقلق على حياة الطفل في المستقبل.
وقد تعاني هذي الأسر من مشكلات اقتصادية، منها الضغوط المالية نتيجة للتكلفة المالية العالية وما يترتب على ذلك من استنفاد معظم موارد الأسرة؛ لأنه يحتاج إلى مساعدة مالية للعلاج أولاً، ولمواصلة الحياة والقدرة على الصمود –خاصة أولئك الذين يعانون من إعاقة جسدية.
وهناك أيضاً المعاناة من الأعباء المالية التي تخصص لشراء الأدوية والعلاج والإشراف الطبي، إلى جانب الرعاية البدنية بسبب احتياجهم إلى العناية المركزة المتخصصة في الإعاقة. ويعاني الآباء من مشاكل مالية بسبب حاجتهم إلى المال تعليمهم وفي المدارس، سواء كانت عامة أو خاصة، أو مراكز متخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وكل ذلك يسبب إرهاقًا ماديًا وضغطًا نفسيًا مضاعفاً على الوالدين في غياب الأموال الكافية للمعاقين.
يعد التعايش مع الإعاقة عملية صعبة لكنها غير مستحيلة؛ فتربية طفل ذي احتياجات خاصة أكثر صعوبة، وأسرة الطفل المعاق تؤثر وتتأثر بكل المتغيرات المرتبطة بالمعاق. وبالإضافة إلى ما تتحمله من أعباء رعاية طفلها المعاق فإنها تتفاعل نفسياً واجتماعياً مع كل ما يتعلق بحياة المعاق في حاضره ومستقبله؛ ولذا فإن أهم واجبات الأسرة أن تكون هي الداعمة والمحفزة له، وألا تكون هي مصدر التهميش في المجتمع أو إشعاره بأنه عالة أو عبء عليها كيلا يفقد الثقة في نفسه لأنها أهم ما يحتاجه في هذه الظروف، وهي لا تأتى إلا من الأسرة.
إن إدماج الطفل المعاق في الحياة يبدأ من داخل الأسرة وبإدماج الأم أولاً، وللوالدين دور كبير في تنمية سلوك الأبناء ذوي الاحتياجات الخاصة وتعديله، وهذا الدور يتطلب من الوالدين أولاً معرفة جميع المعلومات المتوفرة عن إعاقة ابنهم، ومعرفة سبل العلاج، والتكيف مع الحياة ومع الأطفال الآخرين.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة