الحكم الرشيد والديمقراطية
د. طه فارع غالب
يعد مفهوم الحكم الرشيد من المفاهيم التي انتشرت في الآونة الأخيرة بين الأوساط العلمية والمنظمات المحلية والدولية، وبشكل عام يشار إليه في سياق الحديث عند الإشارة إلى الإدارة الحسنة في التواصل مع الأفراد والمجتمع من جهة، والتعامل مع ظاهرة التنوع الثقافي من جهة أخرى، وهو يُعبر عن تكامل المصلحة الخاصة والعامة بين الحكام والمحكومين.
يقوم الحكم الرشيد على مشاركة السلطات العامة ومراقبتها ومحاسبتها، وعلى إدارة المرافق العامة والموارد الإنسانية والطبيعية وفقاً لأحكام القانون ومراعاة حقوق المواطنين والمصلحة العامة، بطريقة خالية من سوء المعاملة أو الفساد في أوساط المجتمع.
ويعد مفهوم الحكم الرشيد مفهوماً محايداً يعبر عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع بما فيها الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وإدارة الموارد الطبيعية والبشرية، وهو بذلك يعني مفهوماً أوسع من مفهوم الحكومة، لأنه يتضمن عمل أجهزة الدولة الرسمية والمؤسسات غير الحكومية كمنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص. وتتحدد معالم هذا المفهوم ابتداء من إدارة السلطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وممارستها على المستوى المركزي واللامركزي، وصولاً إلى الآليات والمؤسسات التي تشترك بصفة مباشرة أو غير مباشرة في صنع القرارات.
ويعرف البنك الدولي الحكم الرشيد بأنه التقاليد والمؤسسات التي من خلالها تتم ممارسة السلطة في الدولة من أجل الصالح العام، ويشمل هذا التعريف:
-
البعد السياسي: ويتمثل في عملية اختيار القائمين على السلطة ورصدهم واستبدالهم.
-
البعد الاقتصادي: ويتمثل في قدرة الحكومة على إدارة الموارد وتنفيذ السياسات السليمة بفاعلية.
-
البعد المؤسساتي: ويتمثل في احترام المواطنين والدولة للمؤسسات التي تحكم التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية فيما بينها.
أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) فقد عرف الحكم الرشيد بأنه ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون الدولة على كل المستويات، ويشمل الآليات والعمليات والمؤسسات التي من خلالها يعبر المواطنون والمجموعات عن مصالحهم ويمارسون حقوقهم القانونية ويوفون بالتزاماتهم ويحاولون حل خلافاتهم عن طريق الوساطة.
ويعد هذا التعريف أكثر شمولاً لتضمنه كل الجوانب السياسية والإدارية والاقتصادية، وينظر إلى الحكم الرشيد على أنه الحكم الذي يُمكِّن الإنسان من العيش بحرية واستقرار من جهة، وتشارك المؤسسات والآليات والقواعد الرسمية وغير الرسمية في تجسيد الرفاهية والمصالح العامة في الواقع من جهة أخرى.
ويعرف تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام (2002) الحكم الرشيد بأنه: الحكم الذي يُغزز ويدعم ويصون رفاه الإنسان ويقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وفرصهم وحرياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويسعى إلى تمثيل كل فئات الشعب تمثيلاً كاملاً، ويكون مسؤولاً أمامه لضمان مصالح جميع أفراد الشعب. وقد ركز هذا التعريف على الهدف النهائي من الحكم الرشيد مؤكداً على التمثيل الكامل للشعب في الحكم، لكي يحقق المصالح العامة لكل فئات الشعب.
أما مركز دراسات وبحوث الدول النامية فقد عرف الحكم الرشيد بأن جوهره إدارة شؤون الدولة، ويتكون من آليات وعمليات ومؤسسات يستخدمها المواطنون -فرادى أو جماعات- لدعم مصالحهم والتعبير عن مخاوفهم والوفاء بالتزاماتهم وتسوية خلافاتهم. ولكي تتمكن هذه الآليات والمؤسسات السلطوية من أن تكون فعالة من وجهة نظر المجتمع، ينبغي أن تتمتع بالآليات الآتية:
- المشاركة.
- الشفافية.
- المساواة.
- سيادة القانون.
- الاستجابة لمصلحة جميع الأطراف.
- الاهتمام بالإجماع.
- المساءلة.
- الرؤية الاستراتيجية.
- الكفاءة والفاعلية.
يتضح من هذه التعريفات أنه ليس ثمة فارق كبير بين الحكم الرشيد والحكم الديمقراطي لأنه لا يمكننا أن نتحدث عن وجود حكم رشيد مع غياب الديمقراطية، فالحكم الرشيد يقوم على أساس الشرعية الديمقراطية اللتين ترتكزان أساساً على عنصرين، هما: الرضا والقبول بالانتخاب، و"المنجز" المتحقق من خلال التقدم في مسارين، الأول: مسار ضمان الحقوق والحريات وتنظيمها ومأسستها لتمكين ممارستها، والثاني: مسار تحقيق العدالة الاجتماعية بتجاوز آفات الفقر والبطالة والفساد. وبناءً عليه فإن خارطة الطريق لبناء الحكم الرشيد تفترض ما يُفيد بأنه لا بناء لحكم رشيد بدون الشرعية الديمقراطية.
وهنا نجد أن ثمة علاقة بين الحكم الرشيد والديمقراطية وحقوق الإنسان -علاقة تكاملية-؛ لأن المفاهيم الثلاثة هي عماد المجتمع الديمقراطي، وغياب أي منها يفقد الآخرين وظيفتهم، لأن الديمقراطية مستحيلة دون سيادة الحكم الرشيد والعكس صحيح، وهو الحكم القائم على أساس قاعدة أوسع من المشاركة الجماعية لمواطنيه في ظل احترام تام لحقوقهم، يسعى إلى تلبية احتياجات المجتمع المدني في إطار من المراقبة والمساءلة، بما يفيد إيجاد آلية مشاركة إيجابية فيما بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني استناداً إلى الأسس الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
وهذا يعني أن الحكم الرشيد يحقق أو يؤدي إلى تحقيق الحكم الديمقراطي، الذي يستند إلى المشاركة والمحاسبة والرقابة؛ فالديمقراطية هي المؤشر الرئيس من وجهة النظر السياسية على وجود الحكم الرشيد، وفي هذا الصدد لا بد أن تقوم الديموقراطية على:
-
الحرية في إنشاء المنظمات والجمعيات والأحزاب والانضمام إليها وتشكيلها.
-
ضمان حرية التعبير لكل المواطنين دون استثناء.
-
الحق في التصويت والمشاركة في الانتخابات، والحق في الترشح.
-
إتاحة المناصب العامة للمواطنين وفق مؤهلات وقدرات محددة دون تمييز.
-
ضمان حرية الانتخابات وشفافيتها.
وتعد الحكومة الرشيدة جزءاً من الحكم الرشيد؛ لأن عمل الحكومات يتركز أساساً من الاستجابة للمطالب الشعبية، والمساءلة أمام الشعب. وبما أن الحكومة الرشيدة تركز على أن تكون عملية صنع القرار بمستويات مرتفعة من الجودة، وفي إطار المشاركة السياسية، وتنطوي الحكومة الديمقراطية على استكمال لعملية التمثيل الديمقراطي التي تجري عن طريق الانتخابات والأحزاب السياسية، وهذا يجعل الممارسة الديمقراطية فعالة.
يتسم الحكم الرشيد بالمشاركة والشفافية والمساءلة، ويكون فعالاً ومنصفاً، ويعزز سيادة القانون، ويكفل وضع الأولويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على أساس توافق آراء واسع النطاق في المجتمع، ويقترن ذلك كله بتطور تنظيمات المجتمع المدني من منظمات مهنية (نقابات) وسياسية (أحزاب) وهيئات علمية وثقافية وجمعيات مختلفة، وإقامة مؤسسة الدولة الوطنية الحديثة القائمة على مؤسسات وليست على شخصنة السلطة وفردانية الحكم.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة