الأطفال والتحرش الجنسي
د .فتحية محمد باحشوان
تعد مشكلة التحرش الجنسي بالأطفال من المشكلات السلوكية الخطيرة؛ بل من أخطر أنواع الإساءة التي يتعرضون لها. وهي ظاهرة تعاني منها كثير من المجتمعات، ولها أبعاد نفسية وصحية واجتماعية خطيرة جداً قد تعرضهم للاضطرابات النفسية ويبقى أثرها حتى البلوغ؛ إذ يظل يذكرها الضحية إلى فترات متأخرة من عمره وقد تلازمه طوال حياتهم، فضلاً عن المشكلات الاجتماعية والنفسية والسلوكية المتعددة الجوانب.
إن مجتمعنا بطبيعته المحافظة يتعامل مع هذه المشكلة بإحدى طريقتين، إما التهويل أو التهوين، وفي الحالين تتعامل الأسرة بجهل تام، ويفقد الآباء القدرة على تقديم النصح والإرشاد للأبناء، أو حتى التعامل المفترض مع أي حادثة تحرش جنسي قد يتعرض لها أطفالهم.
وهذه ظاهرة لا تقتصر على فئة معينة من السكان دون غيرهم؛ فالأسر بمختلف انتماءاتها وأوساطها الاجتماعية قد تنخرط في مثل هذه الممارسات الانتهاكية ضد الأطفال، كما أن الأطفال -بغض النظر عن جنسهم- يتعرضون لأصناف الاعتداء الجسدي، وهناك بعض العوامل الاجتماعية التي تلعب دوراً في ازدياد خطر ممارسة العنف الجسدي ضد الأطفال، منها الأسرة الفاقدة لأحد الوالدين وتدني مستوى المعيشة؛ فالأب أو الأم الذي يربي طفله وحيداً قد يشعر بالعزلة وتتزايد عليه ضغوط التربية ويفتقر إلى السند والنموذج المناسب لاتخاذ الخيارات التربوية الصحيحة البعيدة عن العنف... إلخ.
إن التحرش الجنسي بالطفل هو مشكلة مستترة؛ فالأطفال والكبار على حد سواء يبدون الكثير من التردد في الإفادة بتعرضهم للاعتداء الجنسي، ولأسباب عديدة، قد يكون أهمها السرية التقليدية النابعة عن الشعور بالخزي الملازم عادة لمثل هذه التجارب الأليمة، وصلة النسب التي قد تربط المعتدى جنسياً بالضحية، ومن ثم الرغبة في حمايته من الملاحقة القضائية أو الفضيحة.
وقد يتعرض الطفل/الطفلة -بين (5-12) عاماً- للتحرش من كل من يمكن أن يختلط بهم دون رقابة، من الأصدقاء وأبناء الجيران والأقارب والسائقين والخدم؛ فمعظم المتحرشين جنسياً بالأطفال هم أشخاص ذوو صلة مباشرة بهم، وحتى في حالات التحرش الجنسي من أجانب (أي من خارج نطاق العائلة)؛ فإن المعتدي عادة ما يسعى إلى إنشاء صلة بوالد الطفل أو بأحد ذويه قبل الاعتداء عليه، أو مرافقته إلى مكان كساحة لعب أو متنزه عام مثلا، وإغواء الطفل في هذه السن قد يكون مصحوباً بتهديده بتعرضه للضرب أو العقاب أو القتل إذا باح لأحد، أو بتخويفه بأن الوالدين قد يعاقبانه أو يؤذيانه إذا علما بالأمر، أو قد يتم إغراؤه بالمال أو الهدايا أو الحلوى. كما أن حب الطفل للتجربة والمعرفة واكتشاف كل مجهول قد يكمن وراء إمكانية سقوط الطفل ضحية للتحرش في معزل عن والديه.
ثمة تأثيرات اجتماعية يعانيها الأطفال المعتدى عليهم جسدياً، منها عجز الطفل عن إنشاء صداقات مع أقرانه، وضعف مهاراته الاجتماعية والمعرفية واللغوية، وتدهور ثقته بالآخرين أو خنوعه التام للشخصيات التي تمثل لديه سلطة، أو ميله لحل مشاكله مع الآخرين بالعنف والعدوانية.
ويمكن حماية الطفل/الطفلة من التحرش عن طريق التثقيف الموجه والمعلومة الصحيحة، وكلاهما لن يتما إلا في جو حميم من الصداقة بين الأبناء والآباء؛ فالتوعية بضرورة أن يروي الأطفال للوالدين كل حالة غريبة يتعرضون لها، وإشعارهم بالأمان التام في رواية تفاصيل أي موقف دون عقاب أو زجر، ومنحهم الثقة بأنفسهم وبوالديه، وكذا ملاحظة الأطفال باستمرار دون إشعارهم بالرقابة الخانقة، وعدم السماح للخدم والسائقين بالانفراد بهم مطلقًا... إلخ.
إن الاعتداء الجنسي على الأطفال هي مسؤولية الجاني الذي يقترف جريمة مثل هذه، ومسؤولية الأسرة بلا شك في إهمالهم للطفل قبل الحادث؛ فالطفل الذي يتحرى غياب والديه ليفعل أو يُفعل به مثل هذه الأمور هو طفل لا تربطه علاقة قوية أو صداقة حميمة بوالديه أو بأحدهما، وصداقة الطفل لوالديه وشعوره بالأمان معهما تحميه من كثير من المشكلات، وتجعل باب الحوار بينهم مفتوحًا دائمًا بما لا يسمح بوجود أسرار بينهم، إضافة إلى إرشاده بإفهامه معنى المحافظة على خصوصية جسده وعدم الثقة فيمن حوله من المراهقين وإن كانوا محارمَ، ثم تبدأ مسؤولية أكبر يهملها الأهل تتضح في عدم السماح للطفل بالتعبير عن مشكلته بنهره أو تبكيته أو تجاهل شكواه، حينها تكبر مسؤولية الطفل عما حدث، ويقع في صراع ما بين تهديدات الجاني أو إغراءاته وبين شعوره بالخوف.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة