السّلام رفاهية أم ضرورة؟
د .طه فارع غالب
يُعتَبَر السّلام أحد المبادئ الإنسانية العظيمة التي تسعى المجتمعات إلى تحقيقها في واقع حياتها. فهي تنشد تطبيقه للوصول إلى سلّم التنمية والتطور بين أوساط أفرادها. فالسّلام بمفهومه لا يعني زوال الصّراع والعداوة أو العنف فقط، إنّما يمثل أيضاً مجموعة منسجمة متوافقة من القيم والسلوكيات والحقوق التي ترتكز على الاحترام الكامل لمبادئ مهمّة في حياتنا، بحيث يصعب تجاوزها أو الاستغناء عنها.
تقوم حياة البشر على مبدأ السّلام. فهو إحدى الركائز الأساسية لبناء أي حضارة من الحضارات. إذ لا يمكن أن تقوم الحياة الطبيعية للشعوب أو أن تستقرّ بدونه.
فقد دعت جميع الأديان وفي مقدّمتها الإسلام إلى المحبّة، والرّحمة، والتّآخي، والتكافل، وبناء المُستقبل المُشتَرك بين كافّة الشّعوب والأعراق والأجناس.
للسلام أهمية كبيرة في حياة الأفراد. فهو يمنحهم القدرة على الإنتاج والعطاء في كافة جوانب الحياة، إذ يمكنه أن يحوّل القبيح إلى جميل، ويغيّر الرديء إلى حسن. وهذه صفة خاصة بالإنسان عندما يتّصف بالاستقرار النفسي في حياته.
فلن يتحقق هذا الاستقرار إلا بتأمين مبدأ السّلام في واقع مجتمعه وبيئته. وانطلاقاً من ذلك نستطيع القول أن تحقيق التنمية الشاملة في واقع الشعوب مرتبط بشكل وثيق بتحقق عملية السلام، إذ أن جوهر التنمية الشاملة وأساسها هو الإنسان، وعلى عاتقه تتحقّق هذه التنمية المنشودة في كل أوجه الحياة أو لا تتحقّق، وبمقدار استقراره وارتياحه النفسي والذهني ينتج ويطوّر. فبدون ذلك يتعقّد الأمر ويصعب، وتبقى الحياة راكدة متخلّفة.
لا يمكن أن ينسى العالم ما حدث من كارثة كبرى جراء اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتان خلفتا ملايين الضحايا من البشر، ناهيك عن الأمراض النفسية والجسدية التي تسبّبت بها، لاسيما التبعات الخطيرة التي استمرّت آثارها الخطيرة على مدى عشرات السنين. وبالتالي، لا يمكن أن تقوم تنمية أو تطوّر في أي مجتمع ان كان من دون الحفاظ على الإنسان وضمان سلامة حياته. وعليه تبقى عملية التنمية الشاملة متلازمة مع وجود عملية السّلام وتوفّرها بين أوساط المجتمعات. فلا تنمية من دون سلام ولا سلام يتعزز بقائه في حياة الأمم من دون تنمية.
لكن الأمر قد يختلف عند الكثير ممن يتصورون أن الســـلام بمعانيه وقيمه المهمة قد يعتبر موضوعاً ترفياً أكثر من كونه أحد المواضيع الأساسية والضرورية في الحياة. وهنا يضعف أو قد ينعدم الاهتمام المنشود بمجال السّلام لدى العديد من أفراد المجتمعات.
وهذه معضلة كبيرة لا بل طامة عظمى في التفكير والفهم يجب التنبه لها ومعالجتها في عقول هؤلاء، لما قد يسبّبه هذا المفهوم الخاطئ للسلام من إشكاليات وعوائق عديدة في واقع الحياة المعاصرة، بل قد يدفعون ثمنه باهظاً في كافة شؤون حياتهم. فالسلام هو الحياة بكلّ معانيها ومجالاتها، ومن دونه لا حياة ولا استقرار ولا بناء ولا تنمية.
يشير العديد من الخبراء في مجال السلام وعلم النفس أن عقل الإنسان كنز لقوة غير مُتناهية. فإذا فقد طمأنينة النّفس في أوقات الأزمات والحروب، لن يستفيد من قدرته العقليّة بطريقة مُجدية، حيثَ أن الحروب والصراعات عائق قوي في طريق التطوّر البشريّ؛ بكونها تؤدّي إلى توقّف عوامل الطمأنينة والسكينة في حياة الأفراد.
فالسّلام مبدأ مُهمّ لكل المخلوقات على وجه الأرض بحيث لا يقتصر تأثيره على الإنسان وحده؛ وذلك لأنّ انعدام السّلم والأمن وانتشار الحروب يؤثّرون على عالم البحار مثلاً الذي يحمل في أحشائه مخلوقات متنوعة، لاسيما على عالم النباتات والأشجار بما فيها من أنواع وفوائد متعددة، وعلى الحيوانات بمختلف أصنافها وأشكالها، كما يؤثر على التنوّع البيئي والجغرافي في الأرض بخصائصه ومزاياه التي تخدم الإنسان .هذا هو مبدأ السلام في الحياة، وتلك هي قيمته وأهميته لجميع البشر بكلّ أطيافهم وأجناسهم. فهل هو إذًا ترف أم ضرورة؟ بالتأكيد ضرورة لحياة الإنسان والكائنات الأخرى.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة