النزوح والمرأة اليمنية.. الوجه الخفي للصراع
د. فتحية الهمداني
يمثل النزوح أحد التحديات الإنسانية التي فرضتها الصراعات، والنزوح بالنسبة للمرأة اليمنية لم يكن إلا طريقاً معتماً أجبرت على اختياره في ظل استمرار الصراع، فحجم المعاناة الإنسانية للمرأة اليمنية كبير وعميق أثناء النزوح ، والآثار متعددة بتعدد الجوانب النفسية، والصحية، والاقتصادية.
لم يخطر في بال أحد من النساء النازحات في اليمن اليوم أنه سيأتي اليوم الذي يجدن فيه أنفسهن في مناطق مفتوحة للعيش مع أسرهن، غير أن واقع الصراع الدائر والمستمر في اليمن منذ ست سنوات أجبر الكثير من الأسر اليمنية على النزوح، وتمثل نسبة المرأة النازحة (60%) من النازحين.
يعرف النزوح بالخروج من مناطق السكن الدائم - التي أصبحت مناطق غير آمنة - إلى مناطق عشوائية وغير مناسبة للعيش والسكن، حيث تكون فيها نسبة الخدمات الأساسية للحياة الآمنة ضعيفة إن لم تكن منعدمة؛ فالمباني والخيام ليست إلا مجرد هياكل غير مناسبة للعيش، فقد لا يجد النازحون الأسقف، أو الجداران ، أو الأرضيات التي تحميهم من مياه الأمطار والسيول، ويصاحب ذلك انعدام المياه الصحية، كما لا توجد فرص للتعليم، مع رداءة الوضع الصحي وانعدام فرص العمل.
يمثل النزوح للمرأة اليمنية صورة خفية معالم واضحة الأثر في مستقبلها، إذ تواجه الكثير من المخاطر والصعوبات التي ستؤثر على حياتها بصورة حالية ومستقبلية، فالوضع العام في مناطق النزوح يزيد من معاناة المرأة نفسياً حيث أن اختلاف البئية والمكان والزمان والأشخاص ينعكس على الشعور بالغربة النفسية، ويصاحب ذلك الخوف من المستقبل وعدم الشعور بالأمان إذ النازحة تفقد الكثير من الفرص الخاصة بتأمين المستقبل كالتعليم أو الحصول على فرصة عمل.
كما أن الصدمات النفسية الناتجة من القصف الجوي، والخوف من فقدان الأطفال أو الأسرة، ومشاهدة جثث الموتي، أوتعرضها للأعمال غير الأخلاقية، كل هذا الضغوط النفسية تزيد من معاناة المرأة اليمنية النازحة، وترفع فرص إصابتها بالأمراض النفسية كالاكتئاب، والقلق، وعدم الشعور بالأمن وضعف الثقة بالنفس مما يؤثر سلباً على سير الحياة في المستقبل لديها؛ فالآثار النفسية تمثل الصورة الأبشع للصراعات.
إضافة إلى ما سبق فإن الوضع الصحي للمرأة النازحة يعكس صورة معاناة جديدة حيث يتفاقم الوضع الصحي في مناطق الصراع ويزداد سوءاً، وتكون المرأة أكثر عرضة للإصابة بالأمراض نظراً لسوء التغذية، وترتفع نسبة المعاناة لدى المرأة الحامل التي لا تجد الرعاية الصحية التي تتناسب مع وضعها؛ فالكثير من المراكز الصحية - سواء في المخيمات أو في مناطق النزوح - تعاني من سوء الخدمات، وضعف التجهيزات الطبية، ويصاحب ذلك الوضع السيء انتشار الكثير من الأوبئة ومنها حمى الضنك، والكوليرا، والملاريا، والدفتيريا وغيرها. وتزداد المعاناة بفقدان أحد أفراد الأسرة نتيجة الأمراض وتدني الوعي الصحي الذي يجعل المرأة النازحة في مواجهة نفسية جديدة مع الموت والفقدان.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة