المرأة والتعايش السلمي
أ.د فتحية محمد باحشوان
يُقصد بالسلم الاجتماعي وجود حالة من السلام والوئام الإنساني داخل بيئة المجتمع المعاش بوصفه عنصرًا رئيسًا من عناصر تقدم المجتمع وتطور بنائه، وبناء علاقات الفرد المجتمعية، وقبوله بواقع حالة التعايش السلمي البيني، ومد جسور التواصل الاجتماعي بين مختلف أفراده وشرائحه.
فالسلم الاجتماعي -في أي مجتمع- يمثل القاعدة الاجتماعية الأساسية التي ينطلق منها أفراد المجتمعات في تأمين تعايشهم الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والثقافي...إلخ، ومن خلاله يتحقق لهم توفير أمنهم واستقرارهم والبحث عن مصادر معيشتهم ومصالحهم المادية، وفي رحاب السلم الاجتماعي يمكن تحقيق التنمية والتقدم والبناء.
عرفت البشرية التعايش -وإن لم تستخدمه بوصفه مصطلحاً- في العصور القديمة، لوجود التشابه بين أفراد المجتمع وحاجتهم إلى بعضهم، ولا يقوم ذلك إلا بالتعايش فيما بينهم. أما السلام فهو حالة الهدوء والسكينة، ويستخدم مصطلح السلام مفردة متضادة مع الحرب وأعمال العنف الحاصل في المجتمعات أو في المجتمع الواحد أو طبقاته، فحتى في وقت السلم قد يدخل الناس في الصراعات.
ويعد ترسيخ مبادئ التعايش السلمي في المجتمع ضرورة وطنية وواجباً إنسانياً ينبغي تعزيزها بالإيمان بجوهرها؛ فالتعايش السلمي يمثل انسجام أبناء المجتمع الواحد بمختلف انتماءاتهم، وما يجمع هؤلاء هو وجود أواصر مشتركة مثل الأرض والمصالح والمصير المشترك، ويستمد التعايش وجوده من خلال تفعيل هذه الأواصر وصولًا إلى بناء منظومة اجتماعية تقوم على الاحترام المتبادل وحرية الرأي والسلوك والتفكير بعيداً عن التهميش والتسلط والعنف، فالتعايش يحسم الكثير من العقبات والمشاكل الفكرية والاجتماعية التي تثير الصراع وتؤججه.
ظهر مفهوم ثقافة السلام بعد الحرب العالمية الثانية، وقد تطور أخيراً في نهاية القرن الماضي على أساس أن ثقافة السلام هي ثقافة للتعايش والتشارك المبنية على مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية والتسامح والتضامن، وهي ثقافة ترفض العنف وتدعو إلى حل المشاكل عن طريق الحوار والتفاوض، كما حدد بيان موسكو بشأن السلام عام 1992 استراتيجية لبناء السلام والمصالحة في مرحلة ما بعد النزاعات.
في عام 2000 أصدر مجلس الأمن قراره رقم (1325) بشأن المرأة، السلام والأمن مشددًا على الحاجة إلى مراعاة خصوصية المرأة وإشراكها في عمليات الحفاظ على الأمن وبناء السلام لا سيما في المناطق المتضررة من النزاع، واتخاذ تدابير لضمان حمايتها والالتزام بحقوق الإنسان للنساء والفتيات إلا أنها ما زالت بحاجة إلى: ضرورة مشاركة النساء في كل مراحل العمليات السلمية والمفاوضات وفي برامج التثقيف من أجل السلام، وبناء السلام ما بعد النزاعات، وتحفيز النساء على المشاركة في حملات التوعية من أجل السلام، وتبني برامج تدريبية وورش عمل تستهدف التأهيل السياسي والاجتماعي للمرأة... إلخ.
ومن هنا نأتي إلى الدور الكبير الذي تلعبه المرأة في بناء السلام؛ إذ يبدأ دورها من داخل أسرتها عن طريق زرع ثقافة السلام والقيم النبيلة في أبنائها وأسرتها، وبهذه الحالة تساهم في صناعة السلام المجتمعي فيكون الوطن في حالة سلام وأمن وأمان. أيضاً تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً في تأهيل المرأة وتدريبها وتدعيمها وإرشادها في صناعة السلام ونشر ثقافته حتى تتمكن من أداء أدوارها حيث شهدت الفترة الأخيرة تطوراً ملحوظاً في مناقشة قضايا المرأة وربطها بعدد من القضايا الأخرى كحقوق الإنسان والعنف وتحقيق السلام العالمي كون المرأة شريكًا أساسياً في تدعيم قيم السلام في المجتمع.
لقد أثبتت تجارب الشعوب أن مشاركة النساء في جميع مراحل صنع السلام تعمل على تعزيزه واستدامته، كما أنها تعمل على تعزيز وجود المرأة في مراكز صنع القرار وبناء المستقبل، والتماسك بين أفراد المجتمع واحترام تنوعه الطبيعي بكل مكوناته وأطيافه، وشعورهم بانتمائهم إلى وطنهم ومجتمعهم، كل ذلك يساعد على استقرار المجتمع.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة