تحديات التعليم الجامعي في اليمن
د. فتحية الهمداني
تتميز تغيرات القرن الحالي بسرعتها وتنوعها بصورة كبيرة فما تم إنتاجة معرفياً وعلمياً وتقنياً خلال السنوات الأخيرة يفوق بكثير ما تم في القرون الماضية، لذا فتأثير تلك التغيرات واضح وجلي في الجامعات حيث شكلت تحدياً كبيراً على نوعية المخرجات ودورها في بناء المجتمعات.
يمارس التعليم الجامعي دوره في صناعة الموارد البشرية من خلال أدواره المتعددة التي تركز على إعداد المخرجات، إلا أن المتطلع لنجاح الجامعات في تأدية مهامها ووظائفها يجدها تواجه الكثير من التحديات المترابطة والمتشابكه مع بعضها بعضاً، وتؤثر بطريقة سلبية على نوعية المخرجات والنواتج التعليمية، ومن أهم تلك التحديات ما يلي:
التحدي الأول: الانفجار المعرفي الهائل في مختلف العلوم وبالذات تقنية المعلومات وهندسة الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة التي تتطلب مخرجات بتخصصات جديدة ومهارات وقدرات متنوعة من أجل مواكبة الجديد في متطلبات سوق العمل.
التحدي الثاني: ضعف تلبية مخرجات التعليم الجامعي لاحتياجات سوق العمل وذلك ناتج عن النمطية التقليدية التي تغلف الكثير من البرامج الأكاديمية والمقررات التي لم تعد تتناسب مع احتياجات العصر الحالي، حيث نجد الكثير من خريجي الجامعات يمتلكون مؤهلات ينقصها المهارات اللازمة لتبيلة متطلبات سوق العمل المتجدد؛ إذ تمارس الجامعات دورها في الجانب التدريسي النظري فقط، بينما تحتاج البرامج التقليدية بكل تخصصاتها إلى تحديث لتواكب المستجدات المعرفية والتكنولوجية الحديثة بصورة أفضل.
التحدي الثالث: غياب استراتيجية تتعرف على احتياجات سوق العمل، وبما يدعم التوجهات الأكاديمية في الجامعات لاختيار الأنسب من البرامج الأكاديمية، بالإضافة إلى عدم متابعة الخريجين في سوق العمل وهذا يؤدى إلى وجود اختلالات في الواقع ينتج عنها ارتفاع في معدلات البطالة بين خريجي الجامعات.
التحدي الرابع: التمويل أحادي الجهة المتمثل في الدعم الحكومي للجامعات الذي يجعلها ضمن قيود مالية مركزية، يلازم ذلك محدودية تلك الموارد المالية التي قد تصرف في معظم الأوقات في الأمور الروتينية مما يؤثر على قدرة تلك الجامعات على القيام بتجديد قدرات أعضاء هئية التدريس، وتحديث المعامل والمكتبات والبنية التحتية الداعمة للإنتاج العلمي، والإبداع والابتكار.
التحدي الخامس: ارتفاع تكلفة التعليم الجامعي حيث تزداد الرسوم الجامعية المفروضة على الطلبة الملتحقين، مما يدفع بالطلبة في معظم الأحيان إلى العمل لتغطية النفقات، وهذا لا يدعم عملية تفرغهم للدراسة، ويؤثر على نوعية المهارات التي من المفترض أن يكتسبوها خلال سنوات الدراسة الأربع، في حين قد يضطر بعضهم إلى عدم إكمال الدراسة، وبعضهم قد يفضل عدم التحاقه بالدراسة الجامعية نهائياً، وبذلك ينحصر التعليم الجامعي على الفئة القادرة على مواكبة الزيادة المالية في عملية الالتحاق بالجامعات.
التحدي السادس: هجرة كثير من الأدمغة اليمنية الفذة التي فضلت الخروج بخبراتها خارج الوطن بسبب سوء التقدير في الداخل، وعدم وجود مجالات تنفيذية فعلية؛ وهذا يتسبب في خسارة علمية كبيرة يدفع ثمنها البلد بصورة عامة لأن عضو هئية التدريس المهاجر يعد ثروة وطنية يجب المحافظة عليها.
التحدي السابع: غياب استراتيجيات للبحث العلمي مما ساهم في فقدان ثقافة البحث العلمي، وضعف قدرات الجامعات ومراكزها البحثية على القيام بدورها في عملية البحث وخدمة المجتمع وتنميته.
بعد ما ورد أعلاه، ثمة سؤال يطرح نفسه: ما الذي يجب على جامعاتنا اليوم في ظل تلك التحديات أن تفعله؟
بما أن الجامعات هي المعنية بالدرجة الأولى بتوفير مخرجات قادرة على مواكبة التغييرات واحتياجات سوق العمل فإنه يتوجب عليها القيام بوضع العديد من التدابير والسياسات التي تعمل على توفير ما يلزم لإيجاد معرفة جديدة من خلال بناء برامج أكاديمية جديدة ومقررات يقوم بها أكاديميون متخصصون لاستشراف ما الذي يحتاجه المستقبل من مهارات وقدرات لا بد أن يكتسبها خريجو الجامعات، وأن توفر كل ما يلزم لتمكين الخريجين مهارياً في مختلف التخصصات التي يلتحقون بها بما يساعدهم على التكيف ومواجهة التغييرات في الحياة العملية بصورة ناجحة، والحرص على إيجاد شراكة حقيقة وفعالة بين الجامعات ومؤسسات المجتمع المختلفة للتنسيق حول احتياجات سوق العمل ومتطلباته.
يصاحب ذلك العملُ على إيجاد مصادر تمويل جديدة ذاتية خاصة بكل جامعة ضمن شفافية ومساءلة في جميع النواحي المالية، والعمل بجدية على توفير بيئة أكاديمية مشجعة لأعضاء هيئة التدريس ومنحهم الحوافز والرواتب المناسبة التي تساعد على تحسين مستوياتهم المعيشية وبما يتناسب مع مكانتهم الاجتماعية.
يظل التعليم الجامعي بمخرجاته البوابة الأوسع للقيام بعملية التنمية في المجتمعات وهذا يتطلب عنصراً أساسياً لقيامها وهو توفر الأمن والاستقرار في جميع أرجاء اليمن لكي نسطيع تجاوز التحديات التي تواجه منظومة التعليم الجامعي بصورة أفضل.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة