المجتمع المحلي والمجتمع الافتراضي
أ.د. فتحية محمد باحشوان
أدى ظهور وسائل الاتصال الإلكتروني -وفي مقدمتها الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي-إلى إحداث تغييرات كبيرة على القيم وأنماط العلاقات الاجتماعية في المجتمع المحلي؛ فدخول تلك الوسائط الاتصالية تسبب في بروز مجتمعٍ جديدٍ وأنماط من السلوك والعلاقات والقيم الاجتماعية للمستخدمين، وأفرزت أشكالاً من التجمعات الافتراضية التي أصبح التعامل اليومي معها جزءاً من نمط حياتهم اليومي، وأصبحوا يعتمدون عليها في تشكيل آرائهم ومواقفهم اليومية. وقد غير هذا الأمر من حياة الشباب وأخضعهم للتأثيرات اليومية لتلك الوسائط، ومعها تغيرت قيمهم وأنماط سلوكهم وعلاقاتهم بمحيطهم الاجتماعي.
يلعب الإنترنت دوراً خطيراً في عزل الأفراد اجتماعياً، وتفكيك العلاقات بين الأفراد، إذ أصبحوا يقضون وقتاً طويلاً في التعامل مع الكمبيوتر والإنترنت بطريقة لافتة تسترعي الاهتمام، وصار الهاتف المحمول -وغيره من الأجهزة المتصلة بشبكات الإنترنت التي من خلالها يستطيع الأفراد التواصل من خلال شبكات التواصل الاجتماعي الإلكترونية- ضرورات حياتية لا يمكن الاستغناء عنها ولها مزايا عظيمة في حياتنا المعاصرة؛ فمواقع التواصل الاجتماعي تعمل على تفعيل الطاقات المتوفرة لدى الإنسان ويوجهها للبناء والإبداع في إطار تطوير القديم وإحلال الجديد من قيم وسلوك، وزيادة مجالات المعرفة للجمهور، ورفع قدرتهم على التقمص الوجداني وتقبلهم للتغيير، وبهذا فإن للاتصال دوراً مهماً، ليس في بث معلومات؛ بل أيضًا في تقديم شكل الواقع، واستيعاب السياق الاجتماعي والسياسي الذي تُوضع فيه الأحداث.
ويتسم المجتمع الافتراضي بمجموعة من السمات كالمرونة وانهيار فكرة الجماعة المرجعية بمعناها التقليدي؛ فالمجتمع الافتراضي لا يتحدد بالجغرافيا بل الاهتمامات المشتركة التي تجمع أشخاصاً معاً، فالحدود الجغرافية لم تعد تلعب دوراً في تشكيل المجتمعات الافتراضية، وهي مجتمعات لا تنام، فيستطيع المرء أن يجد من يتواصل معه على مدار الساعة دون أن يعرف أحد منهم الآخر قبل اللقاء إلكترونيًا بالضرورة.
إن الانفتاح على العالم والتواصل مع الآخرين يمثل أحد المخاوف الأكثر خطورة في هروب مستخدم شبكة الإنترنت من الواقع الفعلي إلى عالم افتراضي، إذ يمكن للمستخدم أن يذهب بعيداً عن كل شيء، إلى أرض الخيال، ليلقى عالماً ويصنع صداقات مع من لا يستطيعون رؤيته ومن لا يعرفونه، ويتقمص الشخصية التي يختارها ويتصرف من خلالها بدون خوف أو تهديد، كما هو الحال فيما يحيط به في الحياة الطبيعية. هكذا تصبح الصلات على الإنترنت بديلاً آمناً عن العلاقات في الحياة الطبيعية وما يصاحبها من مخاوف وتهديدات، ويصبح الإنترنت طريقة لتجنب الاتصال الاجتماعي الحقيقي، فإذا وجد مستخدم الإنترنت نفسه كثير الهروب إلى تلك العوالم الافتراضية الجذابة، أو أنه يقضي معها أوقات طويلة أكثر مما يجب، وعندما يصبح ذلك ممارسة شائعة فإن من المؤكد أن هذا الواقع الافتراضي سيكون أكثر استحوذاً للانتباه وأكثر قابلية للإدمان، وهو يمثل أحد المخاوف الأكثر خطورة المترتبة عن سوء استخدام الإنترنت.
وقد يرجع إقبال الشباب على استخدام الإنترنت إلى عدة أسباب منها: إهمال الآباء وفقدان الرقابة الأسرية، توفر السيولة المالية، انخفاض أسعار الأجهزة الإلكترونية، انخفاض أسعار الاشتراكات السنوية على الشبكة، انخفاض أسعار تأجير ساعات الدخول على مواقع الإنترنت، والفراغ غير المستثمر على الشباب، سهولة وسرعة الوصول إلى أي موقع في العالم، الهروب من الضغوطات اليومية ومن سلطة الوالدين إذ يشعر الشاب أنه يستطيع الحصول على المكانة والأهمية من الناس والأصدقاء.
أما عن تأثير الاستخدام السيئ للإنترنت على الأطفال، فمنها أنه يقودهم إلى اضطراب في عادات النوم وتغيرها، وتظهر المشكلات الدراسية، ويتدنى المستوى التحصيلي لديهم. كما أن الاستغراق في الإنترنت يؤدي إلى توقف الأطفال عن ممارسة الهوايات والأنشطة الأخرى المحببة لديهم، في حين يمتنع أطفال آخرون عن التنزه، أو مقابلة الأصدقاء، أو الانضمام إلى الحلقة الأسرية، كما يصاب بعض الأطفال بنوبات غضب وعنف عند محاولة الوالدين وضع حدود أو ضوابط لاستخدام الشبكة، وقد يتحايل بعض الأطفال للدخول إلى الشبكة من دون علم الوالدين أو تحدياً لهم.
ويمكن القول إن وسائل الاتصال تعد عنصرًا رئيسًا في المجتمع؛ فهذه الشبكات قد أسهمت في رفع مستوى الوعي لدى الأفراد وأفرزت قيمًا جديدة، لعل أهمها القبول بالآخر بتنوع أفكاره واختلاف دينه وتباين آرائه. وكما أن الإنترنت ضرورة لرجل الأعمال فإنه ضروري أيضًا للطالب والأستاذ والمهندس والطبيب وغيرهم، لإنجاز الأعمال وسرعة الاتصال والتواصل والاندماج في المحيط الإنساني.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة