ثقافة الإعمار
د. فتحية محمد
ما بعد الصراع؟ تفقد الشعوب المتصارعة الكثير والكثير من مواردها المنوّعة، فتغدو بحاجة ماسة لإعادة الإعمار وبناء ما تمّ تدميره لأجل الأجيال القادمة. فتتطلّب هذه العملية الكثير من المتطلبات للبقاء المادي لاسيما متطلبات اجتماعية ومؤسساتية وتخطيطية ومالية بحيث يتمّ ترجمتها لسياسيات وخطط تشغيلية لإعادة الإعمار وبناء ما دمرته الصراعات .
مهما طالت فترات الصراع في البلدان لا بدّ من أن تنتهي إما من خلال مصالحة سياسية بين الأطراف أو باتفاق مشروط أو بهزيمة أحد الاطراف أو فوزه. لذا، يتمّ العمل والتهيئة للقيام بعملية إعادة الأعمار لما تمّ تدميره أثناء الصراع لأن الخسائر ومستوى الدمار مرتفع. فما بعد الصراع المسلح؟
تبرز في صور الدمار المباني السكنية والمرافق العامة كالمدارس والمستشفيات والجسور والمساجد والطرقات بالإضافة إلى صور دمار البنية التحتية لمؤسسات الدولة وانهيار المنظومة الاقتصادية المتمثلة بتدهور الأوضاع الاقتصادية وانهيار سعر العملة المحلية وتضخّم قيمتها على المستوى الداخلي مقابل ارتفاع قيمة العملة الخارجية (أي الدولار)، إلى جانب تدهور الأوضاع المعيشية للمدنيين وضعف فاعلية الدولة والقوانين داخل البلاد وانتشار الفساد باختلاف مسمياته: الفساد الإداري والمالي والاخلاقي وظهور مشاكل النازحين واللاجئين وانهيار منظومة الخدمات العامة للمدنيين وغيرها من الصور المدمّرة للصراع.
لذا، تتطلّع معظم شعوب لعملية إعادة الأعمار. وهنا لا بدّ من تحديد الأولويات لبناء خطط متنوعة لاستراتيجية مركزية خاصة لإعادة بناء ما خلّفه الصراع ولإنقاذ ما تبقى من تلك المدن وبناء ما يمكن إعادة بنائه للمحافظة على حياة المدنيين. فتندرج الكثير من التساؤلات: من أين نبدأ؟ ماهي الاستراتيجيات المطلوبة لتخطي واقع تلك البلدان؟ ماهي الألويات الضرورية لبناء استراتيجيات إعادة الاعمار؟ ماهي الخطط اللازمة لتنفيذ تلك الاستراتيجيات؟ من المسؤول عن تنفيذ الاستراتيجيات؟ ما الآليات اللازمة لتمويل استراتيجيات إعادة الاعمار؟ ما الصعوبات التي ستواجه إعادة الأعمار في تلك البلدان؟
للإجابة عن تلك التساؤلات لا بدّ بداية من القيام بنشر ثقافة الإعمار فما تحتاجه تلك الشعوب يتطلب العمل على الاستقرار السياسي والإصرار على الاستقرار داخل البلد وتعزيز قدرات الدولة للمحافظة على الأمن، وتقليل فرص عودة الصراع، والحرص على سيادة القانون وحماية حقوق الانسان، وتوحيد رؤى وأهداف جميع الكُتل السياسية والأحزاب والمنظمات نحو عملية البناء لأوطانهم، وتضافر جهود العاملين في المؤسسات سواء الحكومية أو الخاصة للعمل على إعادة البناء، وتوظيف الإعلام المحلي لنشر ثقافة الإعمار وبما يتناسب مع مختلف فئات المجتمع وطبقاته، ونشر ثقافة حب البلد أولاً (بلدي أولاً)، وتوحيد مسار مؤسسات تلك البلدان نحو نشر ثقافة الإعمار ومنها منظمات المجتمع المدني والحرص على تعزيز دورها في نشر وإعادة الإعمار، والاستفادة من عمال تلك الشعوب في مختلف المجالات لتحقيق الرفاة لجميع أبنائها.
ستواجه شعوب ما بعد الصراع مواجهة حقيقة لإعادة بناء ما خلّفته الأخيرة. وهذا يعتبر تحدٍّ قوي، لأن انتكاسة الشعوب بعد طول الصراع يعني أنها ستظلّ تعاني من تدهور أوضاعها نحو الأسوء لفترات أطول. لذا لا بدّ من توحيد كل الجهود لعلمية البناء وإعادة الأعمار.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة