العمل الإنساني وثقافة التّضحية
د. طه فارع غالب
في صدد نموّ وتطوير شخصية الأفراد وشعورهم بالولاء والانتماء للمجتمع الذي يعيشون فيه، يمثّل هذا العمل التطوّعي الجميل ثقافة راقية تعتنقها جميع الشعوب بمختلف تقاليدها وعاداتها. ونقصد بالعمل الإنساني هنا كافّة الأعمال والمبادرات الإيجابية التي تصدر من القائمين بها بشكل طوعيّ بهدف خدمة أفراد المجتمع ومساندتهم معنويّاً أو مادّياً بما يخفّف عنهم بعض معاناتهم أو مشاكلهم الحياتية، من دون انتظار أجر أو ربح معين جرّاء ذلك العمل.
وتظهر أهمية العمل الإنساني في ممارسة خدمة المجتمع وتنمية قيم الخير والعطاء من خلال ممارسة الأنشطة الإنسانية المختلفة، حيث أن العمل الإنساني في الأساس هو خدمة للمجتمع ومبادرة إيجابية متميّزة في تقديم ودعم أفراده فيما يعجزون عن تلبيته في واقع حياتهم. ومن أهداف خدمة المجتمع غرس القيم الإنسانية العظيمة كالعدل، والتعاون، والتكافل الاجتماعي، والشعور بالآخر، وخدمة المحتاج، وغيرها من الأعمال الإنسانية المشرّفة. ولكي يبدع المتطوّعون في الأعمال الإنسانية لا بدّ من أن يتكيّفوا مع المجتمع الذي يعيشون فيه ويشعرون بمعاناته واحتياجاته، بل أن يتعلم المتطوّعون والرّاغبون في ممارسة هذا العمل ثقافة التّضحية المطلوبة في هذا الجانب، باعتبار أهمية استيعاب هذا النوع من الثّقافة الإنسانيّة المهمّة والضّروريّة لكافّة المجتمعات.
تنبع أهمية العمل الإنساني وفائدته من الأوضاع الصّعبة والفاقة الشديدة التي يعيشها الملايين من الناس نتيجة الصراعات والحروب. فكلّما زادت مآسي الناس اشتدّت الحاجة إلى من يساندهم للخروج ممّا يعانوه من ضيق حال، وهَمّ واضّطراب. ويُعتَبَر العمل الإنساني ركيزة أساسية في بناء المجتمعات وتعزيز التّماسك الاجتماعي بين الأفراد لأي مجتمع ان كان. فالدّور الذي يتّسم بالتنوّع والتّطوير الذي يؤدّيه هذا العمل الخير والإيجابي سعياً إلى تعزيز أهداف التنمية، يستحقّ دَعماً قويّاً من الجهات المعنية الأخرى لما له من نتائج فعّالة ومثمرة في حياة الناس بمختلف ثقافاتهم وبيئاتهم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن من أهمّ معايير تطوّر العمل الإنساني، إيجاد تكامل وتنظيم بين العمل الإنساني من جهة وممارسات المؤسّسات الرّسمية والأهليّة من جهة أخرى، إضافة إلى ضرورة ضبط القيمة المضافة من العمل الإنساني ومدى مساهمتها في التنمية الوطنية. ويتطلّب ذلك وجود إطار عمل واضح وآليات مناسبة لتحفيز هذا النوع من العمل البشريّ وتنظيمه وتطويره بشكل صحيح ممّا يؤسّس لزيادة حجم مساهمته في المجتمع بشكلٍ مستدام. ولا بدّ لهذا العمل الإنساني، مهما تعدّدت أشكاله وأنواعه، من اقترانه بمبدأ التضحية التي تشمل معانٍ كثيرة من أهمّها الوفاء، والإخلاص، والصّدق في المعاملة. فالإنسان لا يمكن أن يعيش وحيداً عن النّاس والمجتمع، فكلّ طرف منّا يحتاج للآخر، بصرف النّظر عن طريقة الحاجو أو نوعها.
فالتّضحية مشاعر إنسانية كبيرة لا يمكن وصفها بإيجاز أو عبر هذه الأسطر المحدودة، إنما قد تحتاج مئات الكتب لبيانها والتّعريف بها إذ لا بدّ من تجريب هذه الحاسّة والانفعالات والمشاعر.
يركّز العمل الإنساني على مساعدة مختلف الفئات والشّرائح ويعود بالنّفع والفائدة على صاحبه والمُجتمع بشكلٍ عام. ومن هذه الفوائد زيادة طاقات الفرد والأُمّة، وشحذ الهِمم، والمساعدة على كسب المحبّة والاحترام والثقة من قِبل الناس والمجتمع والشعور بالرّضى الذّاتي، وتوسيع آفاق الأُمّة لبناء وتنمية مجتمع متماسك، وخَلق نوع من الثّقة بين أفراد المجتمع، والحُبّ، والتّرابط بين أفراد المجتمع، ومُساعدة المُستَضعفين، والشّعور بلذّة العطاء والتّضحية التي تُعادل الكثير والكثير لدى بعض أصحاب النّفوس العظيمة، الأمر الذي يقي صاحبه من هموم كثيرة تَقِف عائقاً في حياته تجاه العمل الإنساني بشتّى صوره وأشكاله.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة